منذ لحظة دخوله العاصمة السورية دمشق، بعد سقوط النظام السابق، يسعى رئيس المرحلة الإنتقالية أحمد الشرع، بأي وسيلة، إلى كسب الشرعية الخارجية، التي تؤمن له الاستمرار في السلطة، على إعتبار أنه من دونها لا يمكن له البقاء في موقعه، ما دفعه إلى التركيز على إرسال مجموعة من الرسائل الإيجابية، إلى من يعنيهم الأمر، أبرزها يتعلق بعدم تهديد سلطته إسرائيل، ودوره في إضعاف المشروع الإيراني.
في هذا الإطار، لا يمكن إنكار أن القوة الإقليمية الداعمة له، أي تركيا، ساعدته في التسويق لهذه السردية، خصوصاً أنها لا تملك أي شخصية بديلة عنه، كما أنها لا تستطيع أن تؤمن له أدوات البقاء في السلطة، لا سيما الدعم المالي، الذي يحتاج إلى دعم الدول الخليجية، تحديداً السعودية، لكنه قبل ذلك يتطلب إقناع الولايات المتحدة بالذهاب إلى رفع العقوبات.
إنطلاقاً من هذا الإطار العام، ينبغي قراءة التطورات التي سجلت في الأيام الماضية على الساحة السورية، تحديداً المذبحة في الساحل، التي استهدفت المكون العلوي، والإتفاق مع "قوات سوريا الديمقراطية"، الذي وصف بالتاريخي، على إعتبار أن الحدث الأول، بغض النظر عن سعي السلطة إلى تحميل إيران المسؤولية عن التسبب به، أثبت أن الشرع يواجه أزمة خطيرة، تكمن بعدم قدرته على السيطرة على مختلف الفصائل المنضوية تحت قيادته، أما الحدث الثاني، الذي هو نتيجة لمفاوضات مستمرة منذ أشهر، كانت المسارعة إلى الإعلان عنه، بشكل أو بآخر، نتيجة للحدث الأول، الذي فتح أبواب تهديد سلطته.
بناء على ما تقدم، يمكن إعتبار أن مذبحة الساحل أظهرت حجم الخطر الذي يهدد سلطة الشرع، الذي لا يرتبط بأي مشروع من الممكن أن يذهب إليه أبناء الساحل، كما حاول البعض الترويج، خصوصاً أن الظروف الموضوعية غير متوفرة، بل بالفصائل المتحالفة معه، بسبب عدم قدرته على السيطرة الكاملة عليها، الأمر الذي دفعه إلى الإعلان عن رغبته في محاسبة المسؤولين عن الإنتهاكات، بغض النظر عن مدى جدية هذه الرغبة، خصوصاً أنه لا يستطيع الإستغناء عنها في المرحلة الحالية، على إعتبار أن ما حصل أعاد التذكير بماضي الرجل، المتنقل بين الفصائل المصنفة إرهابية، في حين هو يسعى إلى تجاوز تلك المرحلة، بهدف تقديم نفسه كشخصية قادرة على أن تتولى المنصب الأعلى في البلاد.
في المقابل، كانت المسارعة إلى توقيع الاتفاق مع "قوات سوريا الديمقراطية"، في ظل البنود الضبابية في النص المعلن، الورقة التي من الممكن أن تخفف حجم الضغوط الدولية، التي تسببت بها المواقف الرافضة لما حصل في الساحل، خصوصاً أن الجميع يعلم أن الولايات المتحدة لم تكن بعيدة عن المفاوضات، التي سبقت الوصول إلى هذا الاتفاق، إنطلاقاً من دعمها المستمر لـ"قسد"، كما أن تركيا أيضاً، التي كانت تشجع دمشق على شن عملية عسكرية ضد تلك القوات، لم تكن بعيدة عنها، لكنها كانت مضطرة إلى التخفيف من حدة شروطها، بسبب عدم قدرتها على تجاهل ما حصل في الساحل.
الواقع الحالي، يدفع إلى طرح الكثير من علامات الإستفهام حول المشهد السوري برمته، تبدأ من كيفية تجاوز ما حصل في الساحل وإمكانية ذلك، على إعتبار أن الشرع لن يكون قادراً على تجاهل التداعيات، حيث السؤال الأبرز عن الجهة التي سيرمي المسؤولية على عاتقها من الفصائل المتحالفة معه، ولا تنتهي عند إمكانية عدم صمود الاتفاق مع "قوات سوريا الديمقراطية"، على إعتبار أنه من الممكن أن تظهر الكثير من الخلافات في المراحل التنفيذية، بل تشمل أيضاً العلاقة مع الفصائل المسلحة المنضوية صورياً، بحسب ما أوحى هو شخصياً، تحت قيادته، والتي تشمل أيضاً مصير المقاتلين الأجانب، الذين يشكلون عامل قلق لمجموعة واسعة من الدولة.
في المحصلة، ما حصل في الأيام الماضية جزء من مخاض لن ينتهي في وقت قريب، بغض النظر عن مساعي الشرع إلى إبرام مجموعة واسعة من الإتفاقات المستعجلة، خصوصاً أنها ستقود، في حال نجاحها، إلى توازنات لا تصب في صالحه داخل المؤسسة العسكرية الجديدة، في حين هو سيبقى يبحث عن الشرعية الخارجية التي تتطلب منه تقديم المزيد من التنازلات، بالإضافة إلى مواجهة بعض القوى المتحالفة معه.